صدمة كبرى في موريتانيا بسبب كثرة حوادث الطرق المسجلة يوميا في حصائل مدمرة ومفزعة وصالون المدونين يناقش الظاهرة

رسالة الخطأ

Deprecated function: preg_match(): Passing null to parameter #2 ($subject) of type string is deprecated in rename_admin_paths_url_outbound_alter() (line 82 of /home/amicinf1/public_html/sites/all/modules/rename_admin_paths/rename_admin_paths.module).
أربعاء, 2025-08-20 12:16

تشهد موريتانيا هذه الأيام تصاعدًا مقلقًا في حوادث السير، جعل من السلامة الطرقية تحديًا وطنياً ملحاً يهدد الأرواح ويثقل كاهل الاقتصاد والمجتمع.
فبحسب الأرقام الرسمية، يُسجَّل كل عام مئات القتلى وآلاف الجرحى جراء هذه الحوادث، فيما يرجّح خبراء أن تكون الحصيلة الحقيقية أكبر بكثير، بسبب وفيات تقع قبل الوصول إلى المستشفيات وحوادث لا يتم التبليغ عنها.
وبلغ الوضع حدّ الظاهرة المقلقة التي تخطف الأرواح بشكل شبه يومي، وتخلّف حصائل مدمرة وغير مسبوقة. فبين طرق متدهورة، وسلوكيات قيادة متهورة، وضعف الوعي المروري، يعيش الشارع الموريتاني على وقع صدمة متجددة مع كل حادث جديد يضيف مزيداً من الضحايا إلى قائمة لا تكاد تنتهي.
وفي العاصمة نواكشوط، كما على الطرق الوطنية الكبرى، خاصة طريق الأمل الرابط بين نواكشوط والنعمة، وطريق نواذيبو نواكشوط، ونواكشوط روصو، لا يكاد يمر أسبوع دون تسجيل تصادم مروّع، غالباً ما يحصد ضحايا بالجملة.
ولخص أحد مسؤولي المستشفيات الحالة بقوله: «نستقبل يومياً مصابين بحوادث طرق، بعضهم في حالة حرجة، وآخرون بإصابات قد تلازمهم مدى الحياة».
وخصص صالون المدونين الأسبوعية أمس لموضوع السلامة الطرقية ودور التوعية في الحد من حوادث السير، وذلك في مستهل سلسلة من النقاشات التي سيخصصها الصالون لهذا الملف من مختلف جوانبه، تزامنًا مع موسم الخريف الذي يشهد عادة ارتفاعًا في كثافة حركة السير على الطرق الوطنية، وما يترتب على ذلك من زيادة احتمالات وقوع حوادث سير مميتة.
وقد تم تنظيم الحلقة النقاشية أمام المجسم التوعوي الذي شيدته حملة «معًا للحد من حوادث السير» عند الكلم 44 من مقطع (نواكشوط – بوتلميت)، وهو المقطع المعروف بكونه أخطر مقطع طرقي في موريتانيا.
وحث محاضرو هذه الحلقة السائقين على ضرورة الالتزام بإجراءات السلامة الطرقية باعتبارها أمانة ومسؤولية، كما دعا في ختام كلمته إلى مراجعة مبلغ الدية.
وأكد متحدث بعده باسم أسر الضحايا «أن الفاجعة لم تعد تخص أسرة واحدة، بل أصبحت فاجعة وطنية تمس جميع الموريتانيين»، مشيدًا «بمبادرة الحملة في تشييد هذا المجسم التوعوي، وداعيًا السائقين إلى التقيد بقواعد السلامة الطرقية حفاظًا على الأرواح والممتلكات.
وتوالت المداخلات بعد ذلك من خبراء وسائقين وناشطين في المجتمع المدني، تناولوا من زوايا متعددة دور التوعية في الحد من نزيف الطرق.
وفي ختام الحلقة، تعهد الحاضرون بالالتزام الطوعي بعدم تجاوز سرعة 100 كلم/ للساعة عند قيادتهم للسيارة، مهما كان الظرف الاستعجالي الذي يمرون به.
واعتبر المتحدثون أن مثل هذه الالتزامات العلنية تمثل خطوة أساسية للانتقال من الحديث عن السلامة الطرقية إلى تبني سلوكيات ملموسة من شأنها أن تساهم في تعزيز ثقافة السلامة الطرقية، وهو ما سيقلل من حجم حوادث السير في موريتانيا.
ويرجع المختصون هذه الكارثة إلى عدة عوامل متشابكة بينها السرعة المفرطة، والتجاوزات الخطيرة، واستعمال الهاتف أثناء القيادة، وعدم ربط حزام الأمان، إضافة إلى انتشار دراجات نارية دون خوذات في طرقات نواكشوط.
كما تعاني موريتانيا من قدم أسطول السيارات المستوردة في معظمها من الخارج، دون صيانة كافية، أما الطرق فرغم أنها مغطاة بالزفت فإنها تعاني من حفر خطيرة، وغياب الإشارات والعلامات الأرضية، ما يجعل السياقة ليلاً مغامرة محفوفة بالمخاطر.
ولا تقف آثار هذه الحوادث عند الأرواح المزهقة، بل تمتد إلى تكاليف اجتماعية واقتصادية ضخمة. فحسب تقديرات البنك الدولي، تمثل خسائر حوادث السير ما بين 2 و5٪ من الناتج المحلي للدول النامية، وفي موريتانيا يعني ذلك مليارات الأوقية المهدورة سنوياً على العلاج، وفقدان اليد العاملة، وتكاليف التعويضات المادية.
ونظمت السلطات الموريتانية خلال السنوات الماضية حملات توعية، وأقرت قوانين تُلزم بوضع حزام الأمان وتمنع استخدام الهاتف أثناء القيادة، غير أن ضعف تطبيق القانون وقلة الوسائل اللوجستية جعلا نتائج هذه الجهود محدودة، كما أن مشاريع ترميم الطرق الوطنية لم تُواكب وتيرة تدهورها.
وفي المقابل، تلعب الجمعيات المحلية ومنظمات المجتمع المدني دورًا متزايدًا في التحسيس بخطورة الظاهرة، خصوصًا في المدارس والجامعات، إضافة إلى دعم أسر الضحايا والمطالبة بإصلاحات أعمق.
وبينما أطلقت دول مجاورة مثل المغرب والسنغال وكالات وطنية للسلامة الطرقية بخطط متعددة السنوات، لا تزال موريتانيا تفتقر إلى مؤسسة مركزية قادرة على تنسيق الجهود. واقترح خبراء حلولًا لهذه المعضلة تشمل إصلاح شامل لمنظومة رخص السياقة، وتشديد الرقابة، وتحديث الأسطول، وصيانة البنية التحتية، إضافة إلى إدماج التربية الطرقية في المناهج الدراسية.
وتُجمع التقارير على أن السلامة الطرقية في موريتانيا لم تعد قضية قطاع نقل فقط، بل مسألة صحة عامة وأمن اجتماعي. ومع أن التحدي كبير للغاية، فإن المتفائلين القليلين يرون أن تضافر الإرادة السياسية، والوعي المجتمعي، مع نشاط المجتمع المدني، قادر على الحد من هذه «المجزرة الصامتة» التي تخطف أرواح الموريتانيين يومياً على طرقاتهم.

عبد الله مولود

نواكشوط –«القدس العربي»